«معهد واشنطن» فإن أجزاء من سيناء بدأت تبدو كأنها امتداد لقطاع غزة، نتيجة تقارب العلاقات العسكرية والسياسية والأيديولوجية
الخبر نيوز ابرام جادالله
اصدر معهد «واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» يناير 2012دراسة بعنوان «ثقب سيناء الأسود»، قال فيها إن سيناء -بعد انسحاب إسرائيل من غزة فى 2005- تحولت إلى «بقعة ساخنة» جديدة فى الصراع العربى الإسرائيلى المعقد، مع بنية تحتية إرهابية تجعل منها جبهة محتملة للمواجهة، خصوصاً بعد اندلاع الثورة المصرية فى2011. وتابع البحث: «فى غيبة الدولة المصرية أصبح البدو الآن فى وضع يمكنهم من خلق الأزمات التى لا إسرائيل ولا مصر تريدها، وهناك حاجة إلى تدابير لمنع الانهيار التام للأمن داخل وحول شبه الجزيرة، والعمل بكل حزم لمنع (قيام دويلة البدو الخارجة عن القانون) وتقويض السلام مع مصر تحت ضغوط الانفلات فى سيناء».
وأشارت الدراسة، التى أعدها خبير الشئون المصرية «إيهود يائيرى»، إلى أن سيناء رغم تبعيتها الأزلية للدولة المصرية لم تندمج بشكل فعلى مع باقى محافظات الوادى خلال معظم فترات تاريخها الطويل، وظلت شبه مهجورة لقرون، فلم يتجاوز عدد سكان سيناء، التى تبلغ مساحتها نحو 3 أضعاف حجم إسرائيل (61 ألف كيلومتر مربع)، الـ40 ألف نسمة حتى عام 1947، والآن يبلغ عدد سكانها الأصليين (البدو) نحو 300 ألف، يمثلون 70% من إجمالى سكانها، أما الباقون فهم من الفلسطينيين (10%)، والمهاجرين من محافظات قناة السويس (10%)، والـ10% المتبقية من أحفاد المستوطنين الأتراك وأهالى البوسنة الذين جاءوا مع الاحتلال العثمانى، واستقروا على وجه خاص فى منطقة العريش.
ويرصد الباحث تطورا سريعا ودراميا طرأ على سيناء قبيل وبعد سقوط نظام مبارك، عندما بدأ البدو يتحولون إلى «لاعب شبه مستقل» على الساحة الإقليمية. وهذه النزعة الانفصالية التى أدت إلى انفلات أمنى كبير بعد الثورة، جعل إسرائيل لأول مرة -بعد 3 عقود من توقيع اتفاقية السلام مع مصر- تعتبر سيناء حدودا غير آمنة ومصدر قلق وتهديد مستمرين، خصوصاً مع وجود مطالبات لبعض القوى فى أعقاب سقوط مبارك بإعادة النظر فى اتفاقية السلام مع إسرائيل، وسيناء بهذا المعنى «أصبحت ثقباً أسود يهدد بابتلاع مثلث السلام بين مصر وإسرائيل والأردن».
وحسب «معهد واشنطن» فإن أجزاء من سيناء بدأت تبدو كأنها امتداد لقطاع غزة، نتيجة تقارب العلاقات العسكرية والسياسية والأيديولوجية والاقتصادية بين القطاع وأهالى سيناء. وأضاف: «تخاذل السلطات المصرية فى تأكيد سيطرتها على شبه الجزيرة، شجع حماس على التمدد فى سيناء، واعتبارها فناء خلفيا ومنطقة نفوذ لها، وأقامت قنوات تواصل مختلفة مع أهالى سيناء، وبمرور الوقت اكتسبت حماس ثقة متزايدة فى قدرتها على الحركة والعمل والمناورة داخل شبه الجزيرة». وأكد التقرير أن الشبكات الإرهابية، بعضها سرى وبعضها يجاهر بأعماله الإجرامية، إما تمثل عصابات التهريب القديمة التى تحولت جزئيا إلى النشاط الإرهابى أو مجموعات بدوية تكونت حديثاً بعد اعتناقها لفكر «السلفية الجهادية»، أو جماعات تابعة للتنظيمات الرئيسية فى غزة مثل «حماس» و«الجهاد الإسلامى» و«لجان المقاومة الشعبية» و«جيش الإسلام» التابع لقبيلة «دغمش»، فضلاً عن أن المخابرات المصرية كشفت عن اختراق «حزب الله» لسيناء، وألقت القبض على عدد من أعضاء المنظمة وحكم عليهم بالسجن لمدد وصلت إلى 15 عاما فى 2010، لكن تمكن معظمهم من الهرب بعد أن اقتحمت سجونهم أثناء الثورة المصرية، ومن بين هؤلاء قائد الخلية سامى شهاب، الشيعى اللبنانى، الذى استقبله الشيخ حسن نصر الله زعيم حزب الله بعد عودته إلى بيروت فى فبراير 2011 استقبال الأبطال. وطبقا لتقديرات «معهد واشنطن» فإن منفذى الهجمات على المنتجعات السياحية فى عامى 2004 و2006 هم الجيل الأول من البدو الذين اعتنقوا الفكر الجهادى، وهناك إجماع بين الباحثين الغربيين على أن البدو قبل هذه الحادثة لم يعرف عنهم أبدا تزمتهم الدينى، وأنهم تشددوا -حتى بمعايير الجماعات السلفية فى محافظات الوادى- فعلى عكس الجماعات السلفية فى باقى محافظات مصر، يعارض سلفيو سيناء الرئيس الإخوانى محمد مرسى وبعضهم يكفره!
ويقدر «معهد واشنطن» أن حركة حماس بدأت نشاطها السرى فى فلسطين فى وقت مبكر يرجع لعام 1995(أى بداية تأسيس السلطة الفلسطينية فى الأراضى المحتلة)، بين الفلسطينيين المقيمين على ساحل العريش، وزاد نشاطها بشكل كبير بعد انسحاب شارون من غزة عام 2005، الذى شهد بداية ارتفاع حجم التجارة غير المشروعة وتهريب الأسلحة إلى مستويات غير مسبوقة، وتحولت سيناء إلى ممر شبه رسمى لتزويد حماس باحتياجاتها من الأسلحة المختلفة من إيران (ولاحقا من ليبيا) وعبر السودان مرورا بسيناء وصولاً لغزة.
ومع انهماك شبكات التهريب المختلفة فى سيناء فى تجارة السلاح، أصبحت شبه الجزيرة مستودع أسلحة ضخماً مع مئات -وربما آلاف- من عناصر عازمة على القتال لأسبابها المختلفة. وتوحش بعض البدو فى كل أنشطة التهريب من السجائر وحتى تجارة البشر، وبحلول نهاية عام 2011 بلغ حجم الاقتصاد الأسود فى سيناء نحو 300 مليون دولار سنويا. وأشار معهد واشنطن إلى أن المشير محمد حسين طنطاوى -وزير الدفاع ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق- كان يرفض نهائيا أن يتورط الجيش فى أى مواجهات مع أهالى سيناء، ورفض أن يتدخل الجيش حتى فى حماية أنابيب الغاز الواصلة لإسرائيل والأردن، التى تم استهدافها أكثر من 14 مرة، وحسب المعهد، فإن هذا الموقف ساعد على تفاقم الوضع الأمنى فى سيناء.. وشجع البدو على ارتكاب فظائع أبرزها الآن تجارة البشر.
ولخص «يهود يائيرى»، المعروف بعلاقاته الوثيقة بالموساد الإسرائيلى، فى تقرير آخر نشرته صحيفة «وورلد تربيون» الأمريكية، الوضع الحالى فى سيناء بأن «القاعدة والجماعات الجهادية الفلسطينية استولت على أجزاء كبيرة من سيناء، التى اندمجت بالفعل فى اقتصاد غزة»، ونقل «يائيرى»، وهو مؤلف دراسة عن القبائل البدوية فى عام 2012، عن أحد المفكرين البدو قوله إن قطاع غزة استحوذ على اقتصاد سيناء من خلال «بزنس التهريب»، الذى يعتمد على 1200 نفق تربط غزة بشبه الجزيرة الواسعة، وأضاف: «ببساطة، كرة النار تنتقل من غزة إلى مصر.. لكن على مرحلتين؛ المرحلة الأولى اندماج شمال سيناء فى اقتصاد غزة، من خلال نشاط التهريب، وفى المرحلة الثانية ينتقل نفوذ حماس وأفكار الجماعات السلفية المتطرفة إلى باقى قبائل سيناء»
|