مازن عباس يكتب ” الهيمنة على السلطة ” سيناريو الفاشية الاخوانية


خاص الخبر نيوز

لاشك أن سياسات قوى الاسلام السياسي باتت تشكل عقبة أمام حراك الربيع العربي، الساعي لإسقاط الأنظمة الاستبدادية الإقصائية والتواقة للديمقراطية، ويجعلها رأس حربة للثورة المضادة..

ولعل إصرار حزب الله – رغم تاريخه النضالي المشرف في مواجهة العدوان الاسرائيلي- على دعم نظام الأسد، وسياسات مكتب الإرشاد في مصر، التي تأسست على حماية المصالح الأمريكية والاسرائيلية، وتجاهل مصالح الوطن.. اضافة لنهج الاقصاء الإخواني الملتزم بالأجندة الأمريكية، ضمن اوساط المعارضة السورية، كل هذه الخطوات مؤشرات تكشف حقيقة دور قوى الاسلام السياسي علي تباين واختلاف دوافعها، في صيانة او اعادة انتاج الأنظمة التي لفظتها الجماهير.

لقد كان واضحا منذ بداية الألفية الثانية، أن تفاقم الازمة الوطنية على الساحات العربية، التي كان من ابرز تجلياتها فشل كافة الأنظمة العربية المتعاقبة فى انجاز المهام الوطنية المطروحة منذ عشرات الأعوام، والمتمثلة في تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي لدول المنطقة، بدءا من قضية حصول الشعب الفلسطينى على حقه فى العودة وتقرير المصير، وبناء دولته المستقلة على ترابه الوطني، ولجم العدوانية الإسرائيلية، وتحقيق السلام العادل فى المنطقة على اساس قرارات الشرعية الدولية.. مرورا بتوفير الإمكانية لدول المنطقة لتطوير قدراتها الاقتصادية وتحقيق الاستقلال الوطني الناجز.. وانتهاء بتحقيق حياة حرة كريمة تسود فيها مبادئ الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية.. ولم يتوقف الأمر عند فشل الحكومات المتعاقبة على انجاز المهام الوطنية، وانما بدأت حالة من التراجع عن المكاسب التى سبق وتم تحقيقها فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. فلا يمكن أن نتجاهل ازدياد نسب الأمية بعد أن تناقصت في البلدان العربية، ولا يمكن أن نغمض الأعين عن تناقص متوسط أعمار العرب بسبب انتشار الأمراض وضعف الخدمات الصحية وانتشار الفقر والجهل، ولا يمكن التعامي عن ارتفاع نسب البطالة بشكل مخيف وانهيار العديد من مجالات التصنيع والانتاج او عن الانهيار الثقافي وبطالة العقول والكوادر العلمية.

وكان من الطبيعي فى سياق حالة الأزمة، التى بدأت بوادرها منذ منتصف الثمانينيات ان تتوجه مختلف قطاعات الشارع العربي للبحث عن قيادات بديلة. واسفر تفتت الحركات السياسية القومية واليسارية والليبرالية وتشظيها فى الساحة السياسية العربية، إلى نجاح قوى الاسلام السياسي في محاولاتها لانتزاع قيادة حراك الشارع العربي– التي فشلت بامتياز منتصف القرن الماضي- من أجل تحقيق هذه المهام او على الأقل انقاذ بلادنا من حالة الانهيار السياسي والثقافي والاقتصادي التي نمر بها.

لكن هذا البديل كان الاختيار الأسوأ، اذ تكمن ازمة التيار الديني في عقلية التآمر والمغامرة، التي دفعت العالم الجليل جمال الدين الأفغاني في القرن التاسع عشر للانضمام للمحفل الماسوني من أجل اصلاح الوضع في مصر تارة، او محاولة استقطاب على الخديو لتحقيق نفس الهدف تارة أخرى، وهي امور تراجع عنها العالم الثائر لانه ادرك عقمها. ولا يهتم التيار الديني كثيرا بصياغة برامجه وأهدافه فى اطار مراعاة امكانية تحقيقها الواقعية، وانما يحاول باستخدام الشعارات الحماسية استقطاب عواطف الجماهير، والتي لا تكفي لتنظيم حركة تحرر فاعلة قادرة على انهاء الهيمنة الأمريكية. ويتهرب الاسلاميون من تقديم برامج واضحة للجماهير، كما فعل امامهم الأول حسن البنا، حين اقتصرت اجابته على تساؤل عن البرامج الملموسة للتعامل مع قضايا العصر، مثل الحرب وتوزيع الثروة والصلة بين المالك والمستهلك واكتفى بالقول “ان المقام لا يسمح بالتفصيل وبأن الأمر يحتاج لجولات”. ووعد أن يفصل فيها القول. ولم يف البنا بوعده أبداً، وكان دائماً غامضاً في حديثه عن المقترحات المتعلقة بالحكومة الإسلامية. هذا الأسلوب في العمل يمنح قوى الاسلامية مساحة واسعة في التحول وتغيير المواقف تنعدم فيها الرؤية المبدئية القائمة على تحقيق مصالح الوطن، بل وتسمح لهم بالرهان على عقد تسويات مع النخب السياسية الحاكمة، يمكن أن تكون حتى مع الخصم الصديق (الولايات المتحدة).

ومنذ انطلاقة ربيع الثورات العربية، كان واضحا أن قوى الاسلام السياسي ترفضه لأنها تعادي المنطق الثوري، وترفض اسلوب الثورات. رغم ان الحراك الثوري الواسع للجماهير كان سلميا. لكن هذه القوى في بدايات الحراك اعلنت هذا الموقف.. وما ان أدركت بحسها السياسي ان بقاءها خارج هذا الحراك سيؤدي بها إلي التهميش، ولأن قطاعات الشباب داخل هذه القوى رفضت مواقف القيادات وانضمت إلى الحراك الشعبي.. سارعت نخب الاسلام السياسي للالتحاق بالحراك الثوري، ولأنها كانت اكثر القوى المشاركة تنظيما وتمويلا وخبرة، فلم يكن من الصعب عليها أن تقفز إلى قيادة هذا الحراك. وقدمت جماعات الاخوان المسلمين ومشتقاتها (الحرية والعدالة في مصر، وحماس في فلسطين، حركة النهضة في تونس…).

لاشك أن قوى الاسلام السياسي على مدار العقود الثلاثة الأخيرة في القرن العشرين، قد تحولت من منظمات للدعوة والإصلاح، إلي مؤسسات سياسية ذات قوة اقتصادية. وكانت تقدم خدمات للعديد من قطاعات المجتمع. كما انها اجادة اللعبة الانتخابية وفق قواعد الأنظمة الحاكمة الشمولية، عبر الرشى الانتخابية والتفاهمات والتسويات مع أجهزة الأمن التابعة لهذه الأنظمة.

التحولات التي جرت خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، تمثلت في انخراط الجماعة في انشطة اقتصادية متنوعة، مكنتها من التحول إلى قوة اقتصادية، ما ادى بالضرورة لانعدام اي تناقض بين الإسلام السياسي والعولمة الغربية والليبرالية الجديدة، بل إن هناك تكاملاً بينهم، ما جعل قوى الاسلام السياسي شريكا اقتصاديا في للنخب الحاكمة، واصبحت المواجهة بين هذه الجماعات والأنظمة ليست إلا تنافساً وصراعا حول السلطة، بسبب حرص النخب الحاكمة- في اطار مساعيها للهيمنة-على اقصاء هذه القوى عن صناعة القرار السياسي. فيما اصبحت شركات الاخوان التي تمثل احد اهم عناصر قوة منظمات السلام السياسي في تبعية عضوية كاملة للاحتكارات الغربية، لأن نشاطها الاقتصادي اقتصر علي العمل التجاري. لذا كان من البديهي ان تنبذ هذه الجماعات العنف والارهاب (اغتيالات وتفجيرات) وترفض التغيير عبر الثورة، كما اعلن د. مرسي عام 2009، عندما كان عضوا في مكتب ارشاد الجماعة.. انهم ليسوا دعاة ثورة، مطالبا بإصلاح النظام القائم.

وقد تأسس التحول في البناء التنظيمي وتوجهات العمل السياسي لدي هذه القوى علي تغيرات في المصالح الاقتصادية والسلطوية، ليتم توجيه كل امكانبات قوى الاسلام السياسية نحو الهيمنة على السلطة بصرف النظر عن اي فاتورة يجب سدادها، ونظير اي تنازلات سياسية مطلوبة.

ان اصحاب الموقف اتي تروج إلي ان قوى الاسلام السياسي جزء من النسيج السياسي العربي، انما يقومون بعملية تضليل لحساب الاخوان، تستهدف تبييض صفحة التيار الديني، واخفاء دوره المشبوه خلال مرحلة الاستقلال الوطني في خمسينيات القرن الماضي، ونشاطه السياسي والاقتصادي التابع للمصالح الغربية، حيث رفضت هذه القوى بشكل كامل كافة أشكال التأميم والإصلاح الزراعي ودور الدولة في الاقتصاد التي كانت الأساس لنهضة مصر الحديثة قبل انتكاستها في عهد السادات. إن التعامل مع قوى الاسلام السياسي باعتبار انها يمكن أن تلعب دورا في الصراع الوطني والاجتماعي، نوع من العبث السياسي، لأن هذه القوى ليس لها اي مصلحة في الاستقلال الوطني السياسي بحكم ارتباط مصالحها الاقتصادية والسياسية بالقوي الخارجية. ولامجال للحديث عن سعي او حتى قدرة هذه القوى على بناء نظام ديمقراطي يستند للتعددية وتداول السلطة، لأنها قوى معادية للديمقراطية وحقوق الانسان، وتؤسس حكمها على مبدأ السمع والطاعة.

وتمكين هذه القوى من الهيمنة على السلطة يتم وفق آلية واحدة، تبدأ بالدعوة إلى اقامة دولة الإسلام، وفق مفاهيم الإسلام الوسطي، ثم تنطلق ابواق الآلة الإعلامية الدينية لاقصاء بقية الاتجاهات والقوى عبر اتهامهم بأنهم يرفضون شرع الله، واطراف في مؤامرات خارجية، ليعقب ذلك الدعوة لتصفيتهم. ولعلنا نتذكر اساليب حركة حماس عام2007 في التمكن من السيطرة علي السلطة، رغم مخاطر شق الصف الفلسطيني، لكن قيادتها لم تجد ضررا في اراقة الدماء الفلسطينية تحت شعار مواجهة المخطط الاسرائيلي، لمجرد الاحتفاظ بسلطة وهمية تخضع لسلطات الاحتلال الاسرائيلي. وسنجد نفس السيناريو يتكرر في مصر، في ظل الانفلات الأمني الحاصل حاليا، يكثر الإخوان المسلمون الحديث عن مؤامرات خارجية، ويصعدون العنف لقمع المعارضة.. وفي الحالة المصرية قمع الحراك الشعبي التواق للتغيير.

والأزمة ليست فى قوى الاسلام السياسي، التى تعمل علي اقتناص السلطة، وانما سببها اداء القوى العلمانية والليبرالية التى فشلت أن تقدم برنامجا لإنجاز المهام الوطنية، لذا لم تجد قطاعات الناخب سوى برامج هذه القوى الضبابية. ويكمن الخلل بالدرجة الأولى في أخطاء التيارات الليبرالية واليسارية، التي ساعدت على خلق الفراغ السياسي، مكن الإخوان من توسيع نفوذهم وفرض أنفسهم بصفتهم قوة المعارضة الأساسية. لكن هذا الوضع قابل للتغيير إذا ما تمكنت هذه التيارات من بلورة استراتيجيات صحيحة. فالتصاعد القادم في الصراع المجتمعي يخلق مساحات جديدة لتوسيع نفوذ قوي التغيير الحقيقي.

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *